الاثنين، نوفمبر 21، 2011 05:30

كيف النهار هذا، توة أربعة سنين لتالي. حلّيت المدونة هذي... نهارتها، اتّكتب عليّا أنّي نولّي "مدوّن"، و يا مندراك.

ضحكت و انا نكتب في العبارة الاخرانية، كيف ما بش يضحك العديد من المدونين الأصدقاء و غير الأصدقاء على حدّ السواء اللي توة قاعدين يقراو في التدوينة هذي من أجنابهم... 


المدوّن (في تعريف بسيط) هو شخصية افتراضية، عندو مدوّنة (أو مدونات، و أحيانا يتقمّص عديد الشخصيات) يكتب فيها... يشترط أنو تكون ليه مدوّنة (و يا حبّذا لو كانت مقيّدة في التن-بلوڤ متاع حسين) خاطر الناشطين ع الفايسبوك، ما يعتبروش مدوّنين بأتمّ معنى الكلمة.

حكمت الأوضاع اللي مرّت بيها البلاد على المدوّنين أنهم يكونوا عنصر من عناصر الثورة، و احد روافدها...


لهذا، و بمناسبة احتفالي بالذكرى الرابعة لانطلاق تجربتي التدوينيّة، اللي تتزامن مع احتفالنا ببرشا حاجات باهيين قاعدين نحتفلوا بيهم الحاجة في جرّة الاخرى (و الله لا يقطعلنا عادة) من وقت ما نجحت ثورتنا (و اللي نحمدوا ربّي أنها نجحت و اتعدّاتلنا سلامات كي نقارنوها بالشي اللي قاعد يصير في الثورات اللي تعيش فيها بعض الشعوب الصديقة و الشقيقة)... حبّيتها تكون مدوّنة سبيسيال، نستذكر فيها "البعض" (و ركّزوا على كلمة البعض، خاطر كان بش نحكي على كل شي ش بش يفضّها) من انجازاتي البطوليّة و مساهماتي التاريخيّة في الثورة.

إلاّ أنّي و بعد عملية بحث مضنية، استغرقت برشا دقايق قد تكوّن في مجملها ساعة تزيد أو تنقص شويّة (بما فيها الوقت المخصّص لكتابة هذه الاسطر)... ما لقيت حتى شي يستاهل، اتعدّيت خلال عمليّة البحث اللي حكيت عليها ببرشا مراحل، و حملات، و لوغوهات... حملة التضامن مع المدونات المحجوبة (اللي كانت مدونتي [قلق... و حاجات أخرى] احدى ضحاياها)، حملة التضامن مع الطلبة المسجونين لأسباب سياسية و نقابيّة، حملة التضامن من اجل المطالبة بحريّة المدوّنة ارابيكا، حملة المرصد الافتراضي للانتخابات التشريعية و الرئاسية 2009، حملة الحداد ترحما على ضحايا الفيضانات، حملة التضامن من اجل الكف عن ملاحقة الصحفيين... هذا إلى جانب عديد الحملات الأخرى و المشاركة في بعض المدونات الجماعية... و ما خفي كان أعظم.


ايستوريك، حقيقة (و موش نشكر في روحي هههههه) يُذكر فيُشكر... قد يكفي للركوب على الثورة، لكنه لا يكفي لتدلديل الرجلين في أريحيّة... خاطر بصراحة، ممسطها انو عباد يعلم ربّي فاش كانوا يقاسيوا قبل الثورة، و كيف لقاو قدرهم من بعد (و هو وضع طبيعي)، ولّى كل مين هبّ و دبّ يتطاول عليهم و يسبّ فيهم و يشكّك في نضاليّتهم... تي عاش من عرف قدر نفسه.


بحثت طويلا، حتى أنّي تجاوزت الأربعة سنين متاع البلوغسفير... رجعت بيا الذاكرة (و أرشيف الايمايل) لسنة 2001، وقتها برك وين فهمت أنّو التدوين موهبة قبل ما يكون حاجة اخرى.

قد تكون حكاية فارغة، و هي بالتاكيد كذلك... في أحد أيام شهر ماي 2001، استقبلت رسالة مفادها أنو ثمة مجموعة تهتم بالشأن التونسي، بش تولّي تراسلني عبر البريد الالكتروني... ما فهمتش شنية الحكاية وقتها، أول مرة نسمع انو ثمة حاجة كيف ما هكة.

المجموعة المذكورة كانت نشرية تونس نيوز...


و كان ردّي ليهم بتاريخ 16 ماي 2001 يدلّ على فهمي و إحاطتي و إلمامي بالموضوع.


و قعدت توصلني الرسايل متاعهم بصفة يومية، كان الاطلاع على رسائلهم واحد من أهم الأسباب اللي تخلني نكونكتي بصفة شبه يوميّة... اكتشفت من خلال رسائلهم أنها بلادنا ماهيش هي البلاد اللي عايشينها، كانت ثمة جمهورية أخرى بأحداث أخرى و شخصيات أخرى غير اللي تعودت أنّي نسمع بيهم عبر ما تيسّر لي أن أطّلع عليه من وسائل الإعلام المرئية و المسموعة المتاحة للعموم...

حتى كان النهار اللي قررت فيه أنو علاش لا، ما تكونش ليا و لو مساهمة بسيطة في العمل اللي قاعد يقوم بيه الفريق المشرف على نشرية تونس نيوز... كانت ليا اجمالا، ستة مشاركات، الأربعة الأوائل استعملت خلالهم بريد الكتروني أنشأتو خصيصا للغرض، قبل ما نقرر حذفو اثر حادثة صارتلي خلاتني نعتزل الانترنت جملة مدة من ثمة نرجع بإيمايل جديد، راسلتهم بيه مرتين قبل ما يخرج عن نطاق سيطرتي لأسباب لازلت لحد الآن أجهل كيفيتها.

و هذي كانت الاربعة مراسلات الاولين اللي بعثتهم لتونس نيوز.

نشرية 02 أوت 2001 (انقر على الصورة للتكبير)


نشرية 14 أوت 2001 (انقر على الصورة للتكبير)



نشرية 17 أوت 2001 (انقر على الصورة للتكبير)



نشرية 24 نوفمبر 2001 (انقر على الصورة للتكبير)

قد أعود في مناسبة أخرى (و لو انو صعيب برشا)، للحديث حول الظروف المحيطة بالانجاز البطولي اللي قمت بيه... و خاصة لإيجاد قالب يسمحلي باستغلال النضال هذا بش تولّي عندي شنّة ورنّة كيف ما غيري...


في الأثناء، هاني قاعد ندوّن.


قريتها:
مشاركة هذه التدوينة:
E-Mail Facebook Twitter Blog Buzz

الخميس، نوفمبر 10، 2011 20:15
الهداري الفارغة: , , , , , , , ,


اتنفضوا الكلهم كيف حسّوا اللي الباب بش يتحلّ... اشرأبت أعناقهم و هوما يغزروا للطبيب كيف خرج م البيت و قاعد يسكّر في الباب وراه

الولد: (بنبرة، و ملامح يحملوا في طياتهم خوف شديد) آه دَكتور... لاباس؟

اتنهّد الطبيب، و ضم شفايفو الزوز لبعضهم و قامهم الفوق... إشارة فهموا الحاضرين من خلالها انو الأمر يتجه نحو الأسوأ


ما كلمو حد، و ما جاوبو حد... اتجاهلوه الكلهم، كأنها مهمتو انتهات و يلزمو يمشي على روحو... و كان بش يمشي على روحو فعلا، إلا انو قبل ما يخرج يلزمو يخلص في حق الفيزيتة اللي جابوه في نصاف الليالي و خرجوه من دارو بش يشوف المرى اللي كان واضح من خلال الكشف اللي قام بيه انها قاعدة تعيش في آخر لحظاتها.

اتوقف لحظات في مكانو قدام باب البيت، بحيث سمح للجميع أنهم يتعدّاو... و كان واضح اللي هوما في عجلة من امرهم، هذا علاش نساوه... و لقالهم عذر، أو لمزيد من التوضيح، لقي لنفسو عذر انو يستخلف ربّي في حق الفيزيتة... موش معقول المرى بش تموت، و هو يلوّج على زوز صوردي... خذي نفس عميق و اتنهد

الطبيب: (يتمتم بعبارات لا تكاد تكون مسموعة) الدنيا دنية ربّي... يجعلو لله.

و شد ثنيتو في اتجاه باب الدار... الخطوة الأولى، الثانية، مازال ما كمّلش الخطوة الثالثة و يحس في يد شدّتو من مرفقو

الولد: سامحني دكتور... اتفضّل من هوني

رغم أنو ملامحو ما طرأ عليها حتى شي جديد، إلا انو في قرارة نفسو كان يشعر بفرحة عارمة، و كان لسان حالو يقول

الطبيب: (يحكي مع روحو) اللي عند ربي ما يضيعش

وصلوا عند الباب متاع الدار، وقفوا شوية، مد الولد يدّو للطبيب كاينّو بش يسلّم عليه... مد الطبيب زادة يدّو و استقبل بضع أوراق نقدية، حطهم طول في جيبو من غير حتى ما يثبّت فيهم.


كان من الواضح (و المعمول به) أنو الشي اللي حطّو في جيبو هو مبلغ مالي، و كان من غير اللايق أنو يثبّت فيه للتأكد من مقدارو او حتى التثبّت هل هوما فلوس او مجرّد كواغط ما عندهم حتى قيمة... 

الطبيب: (يحكي مع روحو) اللي يجي مبروك

كان المبلغ المالي عبارة عن نظير قدومو في الساعة المتاخرة هذي لإجراء فحص طبّي للعجوز الموجودة في هاك الغرفة... و لولا جسامة الموقف، لكان اقترح عليهم الانتظار في الصالة برهة من الزمن لحين ما ربّي يهزّ متاعو... تعاملو مع المرض و الموت أصبح مقتصر على تحليلات مجرّدة من كل عاطفة انسانية.

اتنهّد الطفل و هو يغزر لوجه الطبيب، عقد حواجبو لفوق و بنبرة متقطعة أقرب ما تكون للبكاء

الولد: ما ثماش أمل دكتور

أظهر بعض العبوس، كعلامة مواساة... و بإشارة تدل على الرفض

الطبيب: (بعد ما ياخو نفس بطيء) اللي عند ربي موش بعيد

مد الطفل يدّو وراء الباب، و جبد بلوزون... استعد انو يلبسها بش يهبط مع الطبيب في الدروج و يشيعو للباب اللوطاني، إلى انو الطبيب و بإشارة بيدو طلب منو عدم مرافقتو، ثم ذهب في حال سبيله.


رجع الطفل للغرفة، مشهد يبعث على الرهبة... برغم انو ضوء الأمبوبة الاقتصادية كان وهاجا، إلا أنو الحزن المطبق على الانفاس و شبح الموت المخيّم في المكان منذ مدّة كان يبعث احساس انو الضوء خافت جدّا.


الوالدة ممدودة على الفرش بلا حراك، ملامح الألم على وجهها كانت الضمان الوحيد على أنها مازالت على قيد الحياة، لكن الجميع كان يعلم أنها بش تفارقهم لا محالة في أي لحظة... أختو قاعدة عند راسها، تحاول أنها تمسحلها عرقها بطرف منديل، دموعها كفتش توة ليها قريب النهارين، من وقت ما جاهم الطبيب آخر مرة و قاللهم انو زايد عليهم يهزّوها للسبيطار.

الطبيب: (بنبرة تحمل في طياتها بعض الأسى، و الكثير من المواساة) خلّيها تموت فوق فرشها خير.

اقترب م الفرش اللي راقدة عليه امو، حتى صار بجانبها، قعد يغزرلها شوية من ثمة قعد على حافة البنك... و الظاهر انها أحست بوجودو قربها، لأنها و بصعوبة شديدة حنات راسها باتجاهو

المرى: (بنبرة متقطعة) ها طفل

يقربلها، بحيث يصبح وجهو قريب لراسها

الولد: آ نعم يا حاجة... حاجتك بحاجة؟

المرى: (نفس النبرة المتقطعة) وينا باباك

يتقعّد الطفل من بقعتو، يقوم يجري يمشي لبوه اللي كان وقتها شادد تركينة، حاطط راسو بين كفوفو و سارح

الولد: آ حاج... العزوزة تحب عليك.

ينتفض الوالد، احساس بالأمل يشوبه بعض الخوف، الترقب من مجهول... 


يقوم يجري من بلاصتو، في زوز أو ثلاثة خطاوي متسارعين يكون مع جنبها

الراجل: (بنبرة فيها شوية حنان مصطنع) آ نعم يا حاجة... ناديتيلي؟

المرى: مسامحني يا حاج؟

الراجل: (تنتابو رغبة في البكاء) دنيا و آخرة

ما تقدرش الطفلة اللي واقفة عند راس أمها انها تتمالك نفسها و تنخرط في نوبة هستيرية من البكاء المرير... تقوم من بلاصتها و تمشي مع جنب خوها اللي قعد يطبطبلها على ظهرها كنوع م المواساة، ما نجمتش تشد روحها، اترمات في حضنو و قعدت اتنوّح.


المرى: حبيت نڤول ليك

الراجل: ما تڤولي شي

المرى: (تستطرد براسها، في ألم شديد) حبّيت نڤول ليك

الراجل: (يتنهّد) هات، ڤولي... آش حاجتك

المرى: (تتنهّد هي الأخرى) نهارت الانتخابات... راني ما نخّبتش النهضة كيف ما وصّيتني

تتفاجأ الطفلة عند سماعها للعبارة الاخرانية متاع والدتها، ترتسم على شفتها ابتسامة صغيرة ما مسحتش ملامح الحزن اللي كانت مسيطرة عليها، و تتجه فورا لحافة السرير الأخرى

الطفلة: (بنبرة فيها شوية حماس) امّالا نخّبتي المراياتات كيف ما ڤلت ليك؟


يڤحر الراجل لبنتو على فرد جنب

الراجل: (يحكي مع الطفلة من غير ما يتلفتلها) وڤتو توّة... ما يزّيش ما زنّيتي على دماغها و دماغيتنا الكل جمعتين كاملين بالمرزوڤي متاعينك؟؟

تتعصّر المرى دلالة على شعور شديد بالالم، تحاول جاهدة انها تخطف نفس خفيف يعاونها على مبادرة الحديث

المرى: كيف شدّيت الصف، نلڤى النساوين متاع الحومة يحكوا ع العريضة... ڤالوا العزايز يركبوا بلاش، و يداووا بلاش، و البطّالة

المرى: (تسكت شوية، ما يكفي انها تاخذ نفس آخر) البطّالة يا حاج... بش يولّوا ياخذوا منحة

اتنهّد الولد، اللي كان خيّر م الأوّل انو يقعد ساكت يتفرّج و برّه... ليه ثلاثة سنين م اللي خذي الديبلوم متاعو، عدّى قريب العامين بطّال... ما صدّق لربّي أنو شد خدمة، جات الثورة، سكّروا المعمل.

الولد: (يدوّح في راسو، و يتنهّد) حتى انتي جدّت عليك يا امّيمتي


الطفلة: (تحط يدها على خدّها في تعجب) وووه

الراجل: (يسأل في المرى) امّالا نخّبتي العريضة ها حاجّة؟

المرى: (بالسيف ما تتكلّم، تخطف في انفاس متقطّعة) اي نعم... رشمولي نومروها في كف يدّي، و كيف دخلت نخّبتها هي

تتسارع أنفاس المرى، بطريقة تثير رهبة جميع أفراد عايلتها الحاضرين وقتها في الغرفة... و كان م الواضح أنها قاعدة تلفظ في آخر انفاسها

المرى: (بإجهاد شديد، و نبرة تتقطعها محاولات يائسة أنها تاخذ نفس تبان كأنها استجداء أو استعطاف) مسامحني يا حاج؟؟

ينخرط الراجل في بكاء مرير، و فيسع ما احمارت عينيه، و حاول جاهدا أنو يجاوبها... إلا انو كان كل ما يغزرلها في وجهها، و يرى علامات الاجهاد الباينة عليها من تواتر انفاسها و هي تصارع في الموت، يزيد يدخل بعضو... و اخيرا يستجمع ما تبقى له من قوة، و ياخد نفس يعاون بيه نفسو انو يتمالك بعضا من قواه

الراجل: (بنبرة يائسة، و ابتسامة باكية) هذيكة حد نيتك يا حاجة؟!؟

الراجل: (يغزر لمرتو في شفقة) تي هو نايا مشيت بش انخّب النهضة... و كي دخلت لهاك البّيتة، غلطت و حطيت الكوروا على يمينها


الراجل: (مازال يكمّل في كلامو) ثرنتني نخّبت جماعة، ما نعرفهمش حتى شكونهم

كانت انفاس المرى قاعدة تتسارع بطريقة تبعث القشعريرة في نفوس الحاضرين... قبل أن تنقطع فجأة، وسط ذهولهم

الراجل: (يردد عبارة الأخيرة بطريقة مبهمة... و هو شادد طرف الملحفة اللي متلحفة فيها مرتو، و يبكي) نخّبت جماعة ما نعرفهمش... نخّبت جماعة ما نعرفهمش.

ارتمى الولد بين أحضان امو، يخض فيها في محاولات يائسة لإيقاظها... لحظة و كانت اختو مع جنبو، تحضن في امها و تبكي في حرقة.... بينما قعد الراجل ملازم حافة الفرش، حالل فمّو في ذهول موش مصدّق اللي قاعد يجري.


كانت المرأة قد فارقت الحياة.


قريتها:
مشاركة هذه التدوينة:
E-Mail Facebook Twitter Blog Buzz

الأحد، نوفمبر 06، 2011 04:00
الهداري الفارغة: , , ,

مرحلة طفولتو كانت قصيرة جدّا، ما اتعداتش الشهرين و بعض الايامات قبل ما تبدى ڤرونو تطلع... كانت الفترة القصيرة هذيكة مقترنة أساسا بوجود النعجة أمّو مع جبنو لحظة بلحظة، كانوا ما ما يتفارقوش إلا على غمضة الليل.


كل اللي مازال عالق في ذاكرتو من النعجة امو تبعبيعتها الاخرانية في الرحبة و هي توصي فيه

النعجة: (تبعبيعة تحمل في طياتها برشا حزن و أسى) رد بالك على روحك.

و كانت ليلة بائسة في هاك الزريبة... ليلة من أتعس اليالي اللي اتعدات عليه، بالرغم من انو جميع الليالي اللي مرت عليه كانت متشابهة إلا أنو الوحدة اللي احس بيها في الليلة هذيكة خلات الظلام اللي كان يلف البلاصة و الصمت الرهيب اللي كان يظهرلو أنو مطبّق على انفاسو يبث فيه شعور غريب بالخوف عمرو ما حس بيه قبل... و في محاولة بائسة أنو يتغلب على الشعور بالوحدة اللي انتابو، اتمدد مع جنب بالة التبن و حاول انو يحتك بيها، بحثا عن الدفي اللي كان يلقاه كيف تلقاه راقد بين ساقين النعجة امو، و سعيا لقطع ذلك الصمت المطبق، كان بين الحين و الآخر يخرّج تبعبيعة خفيفة

العلوّش: مااااع... مااااع

و يسكت، و يغمّض عينيه، و يقعد يستنّى انو يسمع اجابة النعجة اللي عادة ما كانت ترد على تبعبيعتو بتعبيعة مماثلة، او انها تحاول تزيد تضمو ليها بش تبعث فيه بعض الدفء... إلا أنو للأسف، ما كان يسمع حتى شي، و شيئا فشيئا فهم اللي هو موش بش يتلقّى إجابة على تبعبيعاتو المبهمة... و استسلم لذلك الشعور البائس باليأس، احس برغبة في البكاء، لكنو ما قدرش لأنو يعرف اللي هو موش بش يلقى شكون يواسيه... و رويدا رويدا غطّ في نوم عميق.

قام الصباح... حس بروحو تاعب برشا، كاينّو واكل طريحة نباش القبور، كرايمو مدڤدڤة و مغفصة في بعضها... حاول جاهدا أنو يتكسّل، و فوجئ بصوت تطرطيق غريب، كانت مفاصلو و عظامو تصدر في أصوات غريبة... غزر ع اليمين، ع اليسار، انتابو شعور بالوحشة كيف ما لقاش النعجة أمّو في بلاصتها المعتادة، اتذكّر ليلة البارح، حاول أنو يناديلها

العلّوش: بااااع... بااااع

سكت، و حاول انو يسترق السّمع... ما ثمة شي

العلّوش: (تبعبيعة تحمل في طياتها نبرة حذرة) بااااع

و اتفاجأ، كيف تيقّن انو الصوت كان صوتو، و اللي التبعبيعة الفينو (مااااع) متاعو اتبدّلت و ولات كيما تبعبيعة بقية العلالش اللي اتعوّد انو يسرح معاهم، و اللي اختفاو على فترات متفاوتة المدة الماضية، إلا انو ما جابش خبرة لاختفائهم الا بعد ما مشات عليه النعجة أمّو...

وقتها فهم انو قاعد يعيش اللحظة الفارقة في حياتو اللي حكاتلو عليها النعجة أمو في عقاب ليلة م الليالي وقت ما خلاتو وحدو درى قداش من ساعة و مشات سهرت بحذى الكبش الجديد اللي جاء عدّى حذاهم درى قداش من ليلة قبل ما يختفي هو الآخر من غير ما يجيبلو خبرة... و رغم انو وقتها ما فهم حتى شي من كلامها إلا أنو شعر برهبة كي اتذكّر نبرتها و هي تقوللو

النعجة: (تبعبيعة فيها شوية تبهنيس) يجيك وقت و تفهم.

و سرات في بدنو قشعريرة غريبة... و احس بغصّة في حلقو، لحظات قليلة قبل ما تفرّ الدمعة من عينو، و يجهش بالبكاء مطلقة تبعبيعة قويّة خرجت من جواشيه.

العلّوش: (بكل ما أوتيت ڤراجمو من قوّة) بااااااااااع

و كانت هذيكة التبعبيعة اللي ودّع بيها طفولتو كبرشني... استعدادا لبدء مرحلة جديدة من حياتو كعلّوش.


اتعدات عليه بضع أيام، كانت تقريبا متشابهة في أحداثها و مجرياتها... كان يقوم الصباح، يخرج يسرح قدام الزريبة وحدو، ياكل و يشرب و ينڤّز و يجري و يبرطع و يعمل اللي يحب عليه الكل قبل ما يروّح الراعي عقاب العشية، يدخّلو للزريبة و يسكّر عليه الباب، يقعد هكاكة بعض الوقت لين يرقد على بلاصتو... و هكذا دواليك كانت تمر عليه الايام لين أصابو الملل م الروتين اللي ولّى عايش فيه...

الغريب في الأمر هو أنو أصبح نادرا ما يتذكّر النعجة امو، بل أنو شيئا فشيئا بدات ملامحها تتمحي م الذاكرة متاعو، و كان في المرات القليلة اللي يتفكّرها يتنهّد بينو و بين روحو و يتحسّر على أيامات العز و الدلال.


قعد هكاكة فترة ما يعرفش عليها قداش بالضبط... اتشابهت الايام و فقد قدرتو على التركيز في احتساب عددها... لين اتفاجأ نهار م النهارات بالراعي كيف ما جاش وحدو كيف ما جرات العادة، كانت معاه نعجة صغيرة تتمختر وراه و مع كل خطوة تمشاعا كانت ليّتها تتدلدل ع اليمين و ع اليسار في تناسق غريب شد انتباهو من غير ما يجيب خبرة لا علاش و لا كيفاش.
و على غير ما استانس أنو دايما يصير، دخل الراعي طول للزريبة، وين حلّ الحبل متاع النعجة الصغيرة اللي كانت معاه...  و ع التلفيتة متاعو بش يلوّج عليه يلقاه مع جنبو، ابتسم و في نبرة ممزوجة بضحكة خفيفة قال

الراعي: زايد... الذكر يقعد ديمة ذكر.

منها خرج و سكّر عليهم باب الزريبة... و خلاّهم وحدهم.

عدّى وقيّت يغزر للنعجة الجديدة من تحت لتحت، يقيم فيها ويحط... ما يفهمش برشا في النعاج، كل معرفتو بيهم كانت تنحصر في علاقتو بالنعجة امو، لكن الأكيد أنو الكائن اللي قدامو توة حاجة اخرى علاقتو بيها بش تكون مختلفة عما كانت عليه علاقتو بامو، ما كانتش ليه حتى فكرة عن طبيعة العلاقة هذي لكنها غريزتو كانت مسيطرة بطريقة مخليتو داخل بعضو موش عارف ش يعمل بالضبط.

العلوش: (تبعبيعة حاول قدر المستطاع انها تكون فينو) عسلامة

قعدت النعجة الصغيرة تغزرلو ماهي فاهمة شي... كان يوم شاق بالنسبة ليها، من صبحية ربي و هي في هاك الرحبة، وسط العلالش اللي فدّوها في عيشتها و كرهوها في روحها، علوش يدز من جهة و علوش آخر يلصق فيها و يعمل روحو ما فيبالوش، و الآخر اللي قعد مارجها وجهو في وجهها قريب الساعة و هو يبعبعلها يحبها تعطيه ريق حلو ما صدقت لربي درى كيفاش قلب منظرو...


م اللي حلت عينيها ع الدنيا لقات روحها في زريبة واسعة و كبيرة، قد الزريبة اللي هي فيها توة بعشرة مرات كان موش أكثر... العلوش مع جنب العلوش و عايشين الكل مع بعضهم في كنف الاحترام، كيف الاخوات... اما الخنار اللي شافتو و الشي اللي سمعتو اليوم في الرحبة ما كانلهاش لا ع البال و لا ع الخاطر.

قعدت تغزر للعلوش اللي معاها في الزريبة... يبان نظيف و متربي على قاعدة، خير حتى م العلالش اللي كانت عايشة معاهم في الزريبة القديمة... و هي حبّت و الا كرهت، يلزمها تلقى طريقة للتفاهم و التعايش معاه سينون عيشتها بش تمرار.

النعجة: (تبعبيعة فينو) يسلمك

كانت اول مرة في حياتو يسمع فيها تبعبيعة نعجة غير التبعبيعة متاع امو، و اللي ترقيبا اتنسات و اتمحات من ذاكرتو... فهم انو على أبواب مرحلة جديدة في حياتو، و اللي يلزمو يعرف كيفاش يتصرّف... ارتسمت على ملامحو ابتسامة حاول خلالها قدر المستطاع أنو شفايفو تتحل ع الآخر و توصل لوذنيه، و كان من خلال تلك الابتسامة يسعى انو يوصللها مشاعرو اللي كانت تقتصر و حتى تلك اللحظة على الترحيب بيها و فرحتو بقدومها كونيس ليه في الليالي اللي مقدرلو أنو يكمّل يعيشهم في ها الزريبة.

دار بعينيه ع الحيوط متاع الزريبة، قبل ما يعاود يتلفتلها و بنفس النبرة الفينو متاع قبولي يقوللها

العلوش: الزريبة منورة الليلة

النعجة: منورة بعلالشها

أحس بنوع من الاطراء في كلامها... شعور شجعو أنو يقترب منها شوية و يخمم أنو يفتح باب للحوار معاها... لكنو ما لقاش موضوع يبدى بيه الحديث و يكون صالح انو يطوّل بيه الهدرة.

العلوش: وين اتحب ترقد؟؟

ما فهمتوش ش يقصد بكلامو... اليوم و هي في الرحبة، سمعت برشا كلام ع الرقاد و حاجات اخرى م الأكباش اللي عرضوها غادي... أما (و لسبب لازالت تجهلو) ظهرلها العلوش هذا ناس ملاح، و ما عندوش في التخلويض هذا.

النعجة: أي بلاصة، موش مشكل

النعجة: (تسكت شوية... تبتسم ابتسامة خفيفة في الأثناء) المفيد بلاصة نمد فيها سويقاتي و نرقد مرتاحة

العلوش: الزريبة الكل على ذمتك... اختار البلاصة اللي تحب عليها

قعدت النعجة تغزرلو في محاولة لفهم الهدف م العقولية متاعو، و رغم كل الشكوك اللي دارت في مخها وقتها إلا أنو حسن النية كان هو الغالب في الآخر و ما لقات غير انها تاخو كلامو كيف ما هو من غير تأويل و لا نيّة في غير محلها.


النعجة: (إيماءة براسها للبلاصة اللي هي واقفة فيها) توة نرقد هوني امالا كان هكة.

قعد يغزر شوية للعلوية اللي كانت فوق راسها قد قد، منها اتلفتلها و قاللها

العلوش: لا لا، هذيكة البلاصة موش باهية، الڤمرة تكشف عليك و تقلقك و زيد كان تصب المطر توة تتبلّ.

عجبتها حكاية الڤمرة، و طفات الضو على حكاية المطر اللي بش تصب في الصيف... و لبتسمت و هي تقوللو

النعجة: وووه... امالا وين بش نرقد ياخي؟؟

عمل تنڤيزة صغيرة، استطاع بواسطتها انو يتجاوز بالة تبن شايحة كانت مرمية ع القاعة...


ثم ابتسم

العلوش: البلاصة هذي، م اللي اتولدت نعرف روحي نرقد هوني و عمري ما اتقلّقت

عدّات حياتها الكل ترقد وسط العلالش، استانست انها تشد الصف و هي داخلة للزريبة، و وين ياقف بيها الصف تتمد و ترقد، من غير ما تشوف لا شكون راقد على يمينها و لا على يسارها... عمرها ما جابت خبرة انو الحكاية قد تشكل اهمية ما.

عملت تنڤيزتين كيف ما عمل هو، لحظة و كانت مع جنبو في البلاصة اللي يحكي عليها... كانت مفروشة بالتبن و تشهّي أنو الواحد يتمد فيها و يرقد بعد تعب نهار كيف ما اللي اتعدّى عليها... و بكل براءة ثنات سيقانها الاربعة و اتمدت

النعجة: امالا نرقدوا هوني جميع

عجبتّو اللقطة، طلب منها بكل لطف انها تتزحزح بعض الصنتيمترات نحو اليمين في قعدتها، استجابت لطلبه من دون ان تسأل عن السبب أو الغاية... تمدد بجانبها و انحنى شوية بحيث أصبح ملاصقا لها... أحست بطمأنينة لم تعهدها مسبقا حين لامس صوفها صوفه و أحس هو ببعض الدفء يسري في جسده... غمّض عينيه و اتنهّد

العلّوش: (يحكي مع روحو، بنبرة خفيفة لا تكاد تسمع) أحنّ... إلى حضن أمّي


قعدوا شادين البوزيسيون هذيكة قريب الربع ساعة، من غير ما يخمم أي واحد فيهم انو يحلّ فمّو... كان كل واحد من جهتو يحاول أنو يعطي للحظة حقها و يستمتع بيها قدر المستطاع... أحست برغبة شديدة في النوم وقت اللي هو الفرحة طيّرت النوم من عينيه... زاد اتلحلح في قعدتو بش يزيد يلصق فيها أكثر ثم اتنهّد بكل لطف و اتلفتلها

العلّوش: ش اسمك؟

قعدت اتخمم شوية، ما كانش عندها اسم... مازالت ما اتسماتش، كانت عبارة على رقم في القطيع، ثمة بلاكة كانت لاصقة في وذنها كيما بقية العلالش نحاوهالها اليوم قبل ما يهزّوها للرحبة.

النعجة: (بنبرة مبهمة) ما عنديش اسم

ما استغربش الحكاية، هو بيدو سمّى روحو وحدو، كانت امو و بعض العلالش اللي كانوا معاهم في الزريبة يعطيولوا البرشني كيف يحبّوا يناديولوا، ش خلاه يسمّي روحوا برشني... ابتسم و هو يقترح عليها

العلوش: اتحب انسمّيك؟

النعجة: (تبتسم، و في تبعبيعة كلها دلال) سمّي

قعد يخمم شوية، شنوة الاسم اللي قد يليق بيها، ثم ابتسم في فخر و هو يقوللها

العلّوش: بش انسمّيك بهجة

قعدت اتردد في الاسم بصوت خافت

النعجة: بهجة... بهجة

النعجة: و علاه الاسم هذا بالذات

العلوش: خاطر جيانك اليوم كان بهجة بالنسبة ليّا

عجبها السبب أكثر م الاسم في حد ذاتو... اتنهدت و هي تغمّض في عينيها في استسلام تام لاحساس بالنعاس اعتراها جرة التعب اللي حست بيه م اللي طلع النهار... ماهي إلا لحظات حتى كانت تغط في نوم عميق، و ما زادش بعدها برشا رقد هو زادة.


أصبح لحياته طعم آخر... أضفت "بهجة" على الزريبة لمستها الانثوية الخاصة بيها اللي خلاتها بالنسبة ليه جنّة فوق الارض، عاودت رتبت الزريبة الكل م الأول و جديد و اختارت تركينة اخرى بش يرقدوا فيها على راحتهم اكثر م التركينة متاع العادة... اتغيرت جميع عاداتو في الاكل و الشرب و حتى الاستيقاظ و النوم...

في الاثناء، استطاعوا تعلم عديد العبارات اللي كان الراعي يرددها، حتى انهم صاروا يفهموه ش يحكي حتى في حديثو مع بعض العملة اللي كان يصطحبهم معاه في بعض الاحيان... و رغم محاولاتهم المستميتة مخاطبتو عجزوا انهم يخليوه يفهم لسبب بسيط انو ما كانش يفهم تبعبيعهم.

كانت العلاقة ما بين "برشني" و "بهجة" تتوطد يوما بعد يوم بطريقة خلاتهم يحفظوا تصرفات بعضهم، كانت بعض التبعبيعات المبهمة كافية بش يفهم كل طرف الشي اللي يحب عليه الآخر... حتى كانت احدى ليالي الخريف الباردة، اللي استجابوا فيها لنداء الغريزة... و اكتشفوا أن للحياة طعما آخر لم بعتادوا مذاقه قبلا.


اعتقد، و هو يعيش أحلى أيام حياتو أن الحياة قد ابتسمت له و سيستمر الحال على ما هو عليه الى اللانهاية... لكن هيهات، اذ سرعان ما ظهرت اشارات الحمل على بهجة، و تثاقلت حركتها أيامات معدودة قبل ما يجي الراعي ذات يوم ممطر، و يهزها ع الكميون (اللي كان ديمة يجي عليه) و يخليه وحدو في هاك الزريبة.

اتعدّى النهار الاول، الثاني، كان دايما ينتظر عودة بهجة للزريبة بش ترجع البهجة تدب في كل ركن فيها... الا انو شيئا فشيئا استسلم لشعور مرير باليأس أجبر مغرما على الرضوخ اليه و قبول الأمر الواقع...

ما طالتش وحدتو المرة هذي، اذ سرعان ما حضرت نعجة أخرى جديدة تؤنسو في وحدتو... و بعد حصة تعارف مقتضبة، و بدون اللجوء الى البروتوكولات الرومنسية اللي رافقت تعرفو على "بهجة" لقي روحو يستجيب لنداء الغريزة في علاقتو بالنعجة الجديدة، اللي ما خممش حتى انو يسألها عن اسمها اللي م المفترض انو يناديلها بيه... و ما سنحتش حتى الفرصة انو يسأل، إذ سرعان ما تم اخذها إلى مكان مجهول، أيام معدودة قبل ما تحل محلها نعجة اخرى

و عادت حياتو للملل المعهود اللي رافق الفترة اللي تلت غياب النعجة امو، و رغم انها الأمور اتبدلت إلا ان الروتين اللي اصبح ملازم النسق المعتاد اللي تسير عليه حياتو في ربط علاقة مع النعجة تلو النعجة كان مقلقو و مركبلو شعور بالفدّة ما يخرج منو كان كي يتفكّر بهجة و أيام الزمن الجميل اللي عداهم معاها.


اقتنع انو هذاكة قدرو في ها الدنيا... و ماكانش قدامو حتى حل، سوى الانصياع لهذا القدر اللي شاءت الظروف أنو يكون من نصيبو.

و قعدت حياتو ماشية بالرتابة هذيكة، مدة ما يعرف عليها طويلة و الا قصيرة لأنو فقد الاحساس بالزمن... لين جاه نهار الراعي و ركبو في الكميونة.

قعد درى قداش من ساعة راكب في هاك الكمسونة من تالي، رقد و قام درى قداش... لين في الآخر هبطوه، و اذا بيه في رحبة تملى و تفرّغ بكلها علالش... كانت أول مرة في حياتو يشوف علالش بالعدد هذاكة.

اتجاذب اطراف الحديث مع بعض العلالش و الاكباش اللي صادف انهم كانوا مع جنبو، فهم من حديثهم اللي هوما بش يتباعوا لعباد اخرين، خاطرهم بش يضحّيوا بيهم في العيد... و فرح، خاطرها نهايتو بش تكون كضحيّة عيد.


رجعت بيه الذاكرة لحديث النعجة امو، آخر نهار ليهم مع بعضهم... كانت نفس الأجواء اللي يعيش فيها توة، رحبة كيف ما هذي، ازدحام رهيب متاع علالش... و النعجة كانت مستسلمة لمصيرها قانعة بقدرها، قالتلو في آخر الدقايق ليهم مع بعضهم أنو العلالش الكل نهايتهم بش تكون متشابهة، حيث انو بش يتم ذبحهم بسكّينة على يدين البشر... معظم الأكباش بش تكون نهايتها على يدين جزّار و بش يتم ذبحها لأكل لحومها. بينما البعض منهم (صحة ليهم) بش يكونوا ضحيّة يقدموها العباد لربهم.

انتابو شعور بالخوف من حكاية الذبحان و السكّينة، كان بينو و بين نفسو رافض انو نهايتو تكون ذبيحة، رغم اللي أمو وقتها طمنتو انو الحكاية ما فيهاش ما يخوّف الا انو قعد ثمة في داخلو شعور بالرهبة م الموقف كل ما يغمّض عينو و يستخايل السكينة فوق رقبتو.

طوال عليه النهار، و هو كل مرة يهزوه لتركينة، و كل شوية يجي شكون يمرسو و يجسلو ظهرو، و ساعة ساعة يحلولوا فمّو و يقعدوا يثبتولوا في سنّيه.


م الاول كان يسمع في الحديث و يحاول يفهم في اللي قاعد يجرى، الا انو كيف كثر عليه المرس طفّى الضو و عمل روحو عزوزة ما هاممها قرص... و قعد هكاكة لين عقاب العشية حطّولوا حبل في كرومتو، و جبدوه منّو... ما عجبتوش الحكاية لكنو فهم أنو يلزم يتبّع و بره، زايد العناد... و على قد ماهو خارج، كان يسمع في العلالش تتهامس بين بعضها و تحكي عليه
علّوش1: هذاكة اتباع توة... هازّينو للدار

خروف: صحة ليه... دبّرها

و قعد هكاكة ملهّي روحو لين خرّجوه م الرحبة متاع العلاش... ما فهمش وين هازينو، و علاه هازّينو... انتابو شعور بالحوف م المصير المجهول اللي كان يستنى فيه، و رفض أنو يتبّع... لكن هيهات، كيف رمي عينو على شافة الحبل يلقى طفل صغير يغزرلو و يضحك، و يجبد في هاك الحبل تقولشي عندو بيه بونتو.


ما وصلوا للدار الجديدة الا ما شاح ريقو، و اتقطع عليه النفس درى قداش من مرّة... كان كل ما يعكسهم ما يحبّش يتبع يوليوا يقيمولوا اللية متاعو من تالي، يحس كاينو شكون يدغدغ فيه و يتّرخي من بعضو و يقدملهم... دخلوه للدار و ربطوه في تركينة و اتلمّوا بيه درى قداش من عبد يغزرولوا و يحكيوا... كانوا الدايرين بيه هوما أفراد عايلة صغيرة تتكون من طفل و طفلة، مرى و راجل، و ثمة معاهم مرى عزوزة على ما يبدو انها الجدة... و استطاع ان يفهم البعض من حديثهم و اللي كان عموما يتمحور حول غلاء السعر اللي شراوه بيه.

اتفرقت الحضبة الدايرة بيه بعد قريب الربع ساعة، و قعد وحدو في هاك التركينة، مربوط بهاك الحبل في شباك حديد... قعد قريب الساعة يستنى فيهم انو يجي واحد منهم يفرشلو شوية تبن او اي حاجة بش ينجّم يرقد عليها، لكن شي، كيف طوالت عليه المدة فقد الأمل و ثني سويقاتو الاربعة و اتمد على هاك القاعة السيمان... لسعتو البرودة م الأول لكنو بالشوية بالشوية اتأقلم و فيسع ما خذاتو عينو و غرق في النوم.


قام الصباح مرعوب... هاك الصغار تقولشي عليهم بايتين يحلموا بيه، دوب ما وصلولوا حلّوا هاك الحبل م الشباك و قعدوا يكرّوا فيه في الوسطية متاع الدار، و بما أنو موش مستانس رصاتلو طاح درى قداش من مرة... و قعدوا هكاكة كل مرة واحد م الصغار يشد الحبل و الآخر يدزّ فيه من تالي و من بعد يبدّلوا الأدوار... لين خرجتلهم المرى العزوزة

الجدّة: يزّيتوشي توّة

الطفل: تي خلّينا عزيزتي... هذا علّوشنا

الجدّة: تي ع الاقل هزّوه و اخرجوا ألعبوا بيه في الشارع خير م اللي توسخولي الحوش

ما كانوش م العاكسين، ديركت خرجوا بيه للشارع... ما أتعس م السيمان اللي مبلطين بيه القاعة متاع الحوش متاع الدار، كان ها الزفت اللي معمول بيه الكيّاس... و فوق التعاسة هذيكة الكل، ها الزوز مفرخ اللي ربّي بلاه بيهم.

عدّى نهار أحرف، و هو يدور من زنقة لزنقة و من شارع لشارع، و كل شوية يوقفوا بيه و يدوروا بيه جماعة يقعدوا يجسّوا فيه و يقيمولوا في ساقيه و يحلّولولوا في فمّو... ما صدّق لربّي وقتاش رجع لهاك الحوش المحنون اترمي ع القاعة و اتخمد رقد طول.


قام عقاب الليل، ضربوا الجوع و العطش... يلقى حذاه سطل ماء و شوية خبز بايت قعد يشم فيه و يخمم ياكل و الا ما ياكلش لين في الآخر اتلز و مد فمّو و قعد ياكل فيه و ساعة ساعة يشرب شربة ماء تعاونو بش يهضّمو... كيف هزّ شبعو م الخبز سرح بخيالو لأيامات العز في هاك الزريبة، و اتفكّر أمو، و اتفكّر بهجة و قام يبعبع عقاب هاك الليل

العلّوش: بهجـــــــــة... بهجـــــــــة

و ما نجّمش يمنع دمعتو من انها اتفر، و أحس بالتعاسة تتسرب اليه مع البرودة متاع القاعة السيمان و كاد أن يجهش بالبكاء لولا أن سمع تبعبيعة جاية من مصدر قريب، كان علوش، واضح م النبرة متاع صوتو أنو كبش كبير شوية في العمر

الكبش: آش من بهجة زادة، وقتو بالله... انحبّوا نرقدوا

فرح، حس كاينّو طاح في بير و ثمة شكون طلّ عليه براسو بش يمنعو... قام يصيح

العلّوش: شكون معايا... انتي وين؟

الكبش: انا الكبش... هاني هوني

العلوش: ملا تمرميدة يا صاحبي... اللي ريتو ها النهارين حياتي كاملة ما اتعدّاش عليا قدّو

الكبش: هانت يا خويا، آش مازال... نهارين و يذبحونا

اتفاجأ كيف قاللوا أنو مازاللهم نهارين قبل ما يتذبحوا... كان متفهّم اللي هو بش يتذبح، اما يستخايل الحكاية مازالت مطولة شوية، مازال يحبّ يعيش، رغم اللي اتعدّى عليه الكل ما يحس في روحو مازال ما هزّش شبعو م الدنيا... و زيد حتى م الحديث متاع العلالش البارح في الرحبة فهم اللي الحكاية مازاللها برشا

الكبش: شبيك سكتت

العلوش: وقتاش العيد ياخي؟

الكبش: بعد غدوة

زاد اتفجع، عزّت بيه روحو كيفاش بش يتّذبح


الكبش: (تبعبيعة فيها نبرة متاع ابتسامة) ما تخافش... الحال من بعضو يا خويا و الشنقة مع الجماعة خلاعة كيف ما يقولوا


ما نجّمش يجاوب الكبش... على خاطرها المرى العزوزة خرجت من بيتها و قامت تصيح عليه

الجدّة: يكبّ و الله سعدك، ياخي لا ترقد و لا تخلّي شكون يرقد

ما نجّمش يرقد ليلتها، ما جاتوش حتى غمضة و هو يستخايل في النهاية متاعو كيفاش بش تكون... ما خذاتو عينو كان مع آذان الفجر، سويعة و الا سويعتين قبل ما يفيقوه هاك الزوز صغار و يكركروه من حبلو و هو بين نومين.

دوب ما خرج من باب الدار، اتفاجأ كيف لقي النهج الكلو علالش، كبار و صغار على بعضو، و كل علوش مربوط في حبل كيفو و معاه فرخ و الا زوز دايرين بيه مكرهينو في عيشتو.

ما أتعس من آمس كان نهار اليوم... ما خلاو ما عملوا فيه هاك الزوز صغار اللي معاه، وصلت بيهم في الآخر انهم يركبوا عليه كيف البهيم... لا محالة ماهوش وحدو، العلالش الكلها تقاسي


عند المغرب، قاموا يناطحوا في العلالش مع بعضهم... لا محالة ثمة علالش روسها مربطة و ما صدقت بالعرك هذا، اما معظم العلالش كانت تتناطح موش فاهمة علاش... قعد م الاول يتفرّج لين خلطلو الدور، يلقى روحو مقابل كبش، يڤحرلو تقولشي بش ياكلو بعبينيه

العلوش: (تبعبيعة تدل اللي هو ضايع فيها) شبيك تغزرلي هكاكة، تعرفني قبل ياخي

اتفاجأ بالابتسامة متاع الكبش و هو يقوللو

الكبش: صوتك موش غريب عليا... حكينا مع بعضنا البارح؟

العلوش: صارة انتي هو

الكبش: انا هو... تي شبيك البارح سكتت فرد ضربة ياخي


العلوش: تي اسكت عليا بالله... البارح خصني غمضة لا، كنت نستخايل العيد مازال مطوّل شوية على ما يجي

الكبش: تي خلي يذبحونا و نرتاحو بالله... عجبتك ها العيشة الكلبة اللي عايشينها؟؟

العلوش: أي والله... عقاب عمري رابطيني بحبل في كرومتي و المفرخ تدور بيا وين ما تحب

الكبش: ما اتطولش الحديث... انا بره نتناطحوا.

العلوش: باهي، ضربتين خفافي، ماني خوك

الكبش: ما تخافش... وخيّان

و اتناطحوا المرة الاولى، و الثانية، كيف لقاو الصغار عاملين جو، زادوا الثالثة و من بعد عكسوا... و منها كل فرخ هز علوشو و مشي بيه لبلاصة اخرى.


ما ليّل الليل، إلا ما هاك الصغار بهذلولوا بحالتو... وصلت بيهم بعد المغرب انهم يربطولوا بعض الشوالق الملونة في الصوف متاعو، طلعوه كي الكاراكوز و خرجوا يعملوا بيه في دورة و علالش الحومة الكل قعدت تتمنيك عليه.

روّح عقاب الليل، كرايمو مدڤدقة... دوب ما وصل للتركينة متاعو اتمد رقد، ما قام كان مع آذان الفجر... و كانت العلالش الكل تبعبع في تبعبيع يخوّف، تسلّم على بعضها... و قعد هكاكة مدة يسمع فيهم لين سمع تبعبيعة الكبش اللي في دار الجيران

الكبش: (تبعبيعة أقرب ما تكون للبكاء) أيا في الأمان يا خويا... أنا الجزّار هاو وصل و يمضّي في سكاكنو

العلوش: صبّر روحك يا صاحبي... كلنا لها

الكبش: (باهت) ماكش خايف؟؟

العلوش: (تبعبيعة تدل على لامبالاة مفرط فيها) نستنى فيها بالدقيقة و الدرج يا صاحبي...

العلوش: (يسكت شوية) ها الزوز مفرخ كرهوني في روحي و فددوني في عيشتي

الكبش: (تبعبيعة الغرق) انا هاهم رقدوني سايي... في الأمان يا خويا

العلوش: في الامان... في الامان

و ما سمعش رد، قعد يستنى شوية، درج، درجين... اتعدات اكثر من ربع ساعة، فهم خلالهم انو الكبش سايي... اتذبح
اتنهد، و اتكى ع الحيط... يحس في كرشو بش تتطبق على بعضها بالجوع، اما ما ثماش ماكلة...


مازال يدور بعينيه في الحوش متاع الدار و اذا بهاك الزوز مفرخ يطلعوا م الباب متاع البيت اللي كانت مقابة الشباك اللي رابطينو فيه.

استعوذ م الشيطان كي شافهم، و قام يبعبع في غير من عقلو

العلوش: سيبوني، ابعدوني... اذبحوني و رتحوني

غزرت الطفلة لخوها، و بنبرة كلها حزن و أسى قالتلو

الطفلة: مسكين... خايف خاطرو بش يتذبح

الطفل: أي بالحق، راهو ماذابيه لو كان نخرجوه نلعبوا معاه شوية

العلوش: (مفجوع) لاااا... ما تخرجونيش

مشات الطفلة لجدتها تحاول فيها انها تخليهم يخرجوا العلوش بش يلعبوا معاه شوية في الشارع الا انها الجدة عارضت و دخلت للحوش و هي تقوللهم

الجدة: لا لا توة تمرسوه، خليوه رايض

العلوش: هاي العباد اللي تفهم

مازادوش طولوا برشا في الحديث، و اذا بالراجل يدخل و معاه راجل آخر الظاهر انو الجزّار اللي بش يقوم بعملية الذبيحة... و قاموا الصغار يتصايحوا

الطفل: لا لا ما تذبحوليش علوشي


الطفلة: عيش بابا خليهولي نربّيه

كان الراجل و الجزار يغزرولهم و يتضاحكوا، بينما العلوش يبعبع و لسان حالو يقول

العلوش: يا والله عملة، يمشيوشي يبطلوا ما يذبحونيش و يخليوني للمفرخ تمرمد فيا عقاب عمري

الا أنو الجزار اتجهلو بكل رباطة جأش، وقص هاك الحبل بهاك السكينة اللي شاددها في يدو و حملو و رقدو ع القاعة

كان واضح انها النهاية متاعو اقتربت... امالي الدار الكل دايرين بيه، العزوزة قاعدة تصلّي ع النبي و تعاود، و المرى شادة في يدها بانو بلاستيك الطاهو انهم بش يحطوه في وسطو بعد ما يذبحوه، بينما الطفل و الطفلة قاعدين يتناوحوا... الراجل ما كانش في مرمى البصر متاعو أما الأكثر هو اللي شاددلو ساقيه موش مخليه يتحرّك

الطفل: (يبكي) يعيّش بابا ما تذبحوليش علوشي

العلوش: (يبعبع) اذبح يا ش اسمك، رد بالك تسمع كلامو

الطفلة: (تبكي في غير من عقلها) يعيش بابا خليلي علوشي نلعب بيه

العلوش: ش من تلعب بيه... بهذلتوا بحالتي و خليتوني ضحكة وسط العلالش عقاب عمري

الطفلة: (بنبرة تحاول من خلالها تستدجي العطف متاع بوها) أغزرلو يبعبع، ما يحبش يتذبح

ما عرفش شنوة يلزمو يعمل، خاف لا بالرسمي ياخذو بخاطر الطفلة و يبطلوا ما يذبجوهوش، و في حركة فجئية باغت بيها الجميع قعّد راسو شوية و اتلفّت للطفلة، و طلعلها لسانو


و ضحك جميع الحضور، بمن فيهم الطفلة و خوها زادة، وقتها برك وين اتنهّد الجزار

الجزّار: (ياخو في نفس طويل) بسم الله... و الله اكبر

فهم العلوش وقتها انها النهاية متاعو جات... ابتسم في صمت تام و خضوع، و غمّض عينيه على منظر الطفلة و قد اختلطت دموعها بضحكاتها.


انتهى


قريتها:
مشاركة هذه التدوينة:
E-Mail Facebook Twitter Blog Buzz