الأربعاء، فبراير 25، 2009 03:00
الهداري الفارغة: , , , , , , , ,

أواسط التسعينات، صيف عام أربعة و تسعين... كنا نقعدوا في قهوة، تابعة لدار الشعب، او ما يسمى بدار الثقافة... قهوة يعتبر مرتادوها عموما م النخب المتثقفة متاع البلاد.

رغم اللي أحنا نعتبروا مازلنا فروخ وقتها على قعدة في قهوة كيف هذيكة، و زيد كنا لا علاقة بالحكايات متاع الثقافة و الامور هذيكة اللي كانت حديث معظم المتواجدين في الفضاء... إلا أننا كنا نمشيولها عقاب الليل قبل ما نروحوا، نتلمّوا على هاك الرقعة متاع الشطرنج ما نقوموا كان ما يجينا القهواجي يقرّق بينا أنو سايي يلزموا يسكّر.

كنا أربعة م الناس، أنا و ناصر و عادل و مجدي الله يرحمو... بالشوية بالشوية بدينا نتعرفوا ع الجماعة اللي تقعد في القهوة، و كان منهم برشا اساتذة يخدموا في الليسي اللي نقراو فيه... و كانت علاقة باهية، حتى انها ساعدت البعض فينا في تجاوز بعض المحن الدراسية.

و تعرّفنا من جملة اللي تعرّفنا عليهم، على سي حمدان... أستاذ فلسفة.

الحق متاع ربي، هو اللي دخّل روحو في وسطنا، كان دايما يجي عقاب الليل يقعد يتفرّج علينا و تلقاه عامل علينا جو، ساعات ينبّر، ساعات يتمقصص... يمكن م الأول ما هضمناهوش لأنو كان واخذ راحتو شوية في القعدة، و كلامو الكل م الحزام للوطى، و جاتنا غريبة وقتها كيفاش أستاذ، ما يقرّي كان كبارات الليسي (جماعة الباك) و يحكي معانا باللوغة هذيكة... تي هو احنا اللي بينات بعضنا السفاهة عاطية مسد، كيف ندخلوا للقهوة و احتراما للي قاعدين فيها تلقانا الأخلاق طالعة هابطة النفس لا.

هيا مرة فدّينا م الطرح متاع الشطرنج على بكري، فدّدنا فيه سي حمدان بالتنبير و التعليقات و النصايح الفارغة متاعو، تغامزنا و كملناه كيف ما جات... و قعدنا نڤجدروا، حديث متاع تفوريخ، قلنا تو يفهم روحو و يمشي و يخطانا... شي، تقول فرصة قاعد يستنى فيها و ما صدّق لقاها

سي حمدان: (بنفس النبرة متاعو اللي يحب يتظاهر فيها بالجدية رغم اللي هو مشلّق على روحو اللي هو يتمنيك) أيواه، قالقين امالا

ناصر: (قاعد... شابك صوابعو في بعضهم، هذيكة عادتو كيف تلقاه قالق) هكاكة و برّه يا سي حمدان، نتنسموا

سي حمدان: (يأكّد) معناها قالقين!

البرباش: شوية و برّه

سي حمدان: (يغمز بطرف عينو) و كيف تقلقوا في القسم... ش تعملوا

ناصر: كيف نقلقوا... نقعدوا نتبعوا الأستاذ

سي حمدان: (يهڤهڤ) تعطيوه ما كتبلوا

عادل: كيف تڤيّن و نلقاو فيه الضربة، ما نقولوش لا

سي حمدان: ش قولكم في اللي يعطيكم لعبة، تتعملوا علاها بون كيف بينات بعضكم في القسم

مجدي الله يرحمو، دوب ما سمع كلمة لعبة، اتنفض كيف المفجوع... كان جوو ما يلقاه كان في اللعب، رايض (اكثر مني) و حدّو حدّ روحو، وحتى في القسم، كان شفتو رايض و راكش ماهو داير بحد، راهو عندو حاجة قاعد يخنتب فيها و لاقي فيها جوو

مجدي: لعبة... تراه كيفاش

سي حمدان: تعملوا ورقة، طويلة... تقسموها بالطول... على عدد الأيام متاع الجمعة، و كل أربعة جمعات، تڤمروهم وحدهم

ناصر: أي، و من بعد

سي حمدان: و من بعد، كيف تلقاكم قاعدين في القسم، و طفلة تخرج تمشي للتواليت... و إلا في السبور، تشوفوا طفلة قاعدة ماهيش تلعب... قيدولها اسمها في النهار هذاكة

ناصر: أي... و من بعد

عادل: و علاه؟

سي حمدان: (يتلفتلنا انا و مجدي، يلقانا متبسمين) تي شبيهم صوحابكم، ماو فهموهم

البرباش: (نكشّخ) أي أي، كمّل... تو من بعد نفهموهم

سي حمدان: م الشهر الاول، تو تعرفوهم كل واحدة علاه تمشي و علاه تجي

البرباش: أي، و من بعد... ش بش نعملولهم

سي حمدان: ما عندكم ما تعملولهم... أما تقعد بيناتكم الحكاية، تنجموا تعملوها كيف الخطار، على شكون بش تخرج مثلا و شكون لا

و مشى سي حمدان على روحو، و قعدوا ناصر و عادل يسألوا فينا ع الداڤزة ويني على خاطرهم ما فهموا م الحكاية كان أنو فيها بنات... و فهمناهم الحكاية كيفاش تكون، و ربطناهالهم بحكاية الحيض و الطهر اللي أستاذ التربية الإسلامية عدالنا ساعة كاملة و هو يفسّر فيها.

ما تتصوروش كيفاش أنو احتقارنا لسي حمدان ع اللعبة اللي طلعلنا بيها زاد بدرجة كبيرة، يعني راجل في عمرو و مركزو كأستاذ (و احنا تلامذة في الليسي اللي يقرّي فيه)، يطيّح من قدرو و قيمتو و يجي يقترح علينا اقتراح لا ساس و لا راس كيف هذاكة، تي حتى عيب ع الشيبة متاعو

لكن و رغم ذلك، من اول نهار في السنة الدراسية، كانت الورقة مسطرة و التعمير شادد بعضو... ما ركحت الامور و تعدّى الشهر و إلا هوما الشهر و نصف الأولين... كنا شادين الحسابات الكل، و عارفينهم كل طفلة وقتاش تخرج و علاش... و الحق متاع ربي، عدينا التريميستة الاولى عاملين جو، و الدنيا واكلة بعضها بالخطارات، كنا مثلا نتخاطروا على ألفة إذا كانت بش تخرج في ساعة الأنڤليزية، أو ساعة الفرنسية، او في الزوز، أو بش تمشي للتواليت بين الساعتين... و الخاسرين يخلصوا طرح الرامي اللي بش نلعبوه في العشية في القهوة

يقول القايل: الكسّابة تكسب و هاك الجماعة تحسب... نلقاو ارواحنا نحسبوا، على غير ما ثمة حتى مكسب في الحكاية، بالعكس، نتصوّر المعنيات بالامر تلقاهم خلايقهم زاعزة و الله اعلم بحالهم، و أحنا غاصرين ارواحنا و مهملين قرايتنا و أساتذتنا و شادينيلهم العسة شكون دخلت و شكون خرجت... و بما انو اللي يحسب وحدو يفضللو، ليه ليه ما فدينا منها الحكاية و ما كملت التريميستة الاولى كانت الورقة اللي سطرناها (سطرنا ورقة للعام الكل بالمسبّق) مشات على روحها

امشي يا زمان و ايجى يا زمان، وصلنا للباك، ما قعدنا كان انا و ناصر مع بعضنا بحكم امو عادل و مجدي اختاروا شعب اخرى وقت التوجيه... و كان سي حمدان أستاذنا متاع الفلسفة... قلنا سلكت.

لحد اول حصة متاع فلسفة عام الباك... كان في بالي انو تونس دولة دينها الإسلام، معناها العباد الكل مسلمة... صحيح خلق ربي الكلها لا تصلّي و لا تصوم، لكن أقلّو العبد كيف يسمع الآذان ساعات يتفكّر انو ثمة ربّي في الوجود و يشهّد، حتي كيف تلقاه سوكارجي و يحربش و يزبرط، اما يدور يدور، و يغلب عليه اصلو... نعرف وقتها اللي عندنا شوية مسيحيين يعيشوا في البلاد بالأمارة ثمة كنيسية في شارع الحبيب بورقيبة، و عندنا زادة كمشة يهود و ثمة بلاصة يحجولها كل عام في جربة... نعرف اللي ثمة عباد يقولولهم علمانيين و ملحدين و درى ش من هموم زرقاء أخرى (جماعة لا دين لا ملة)، لكن هذوكم نشوفوهم في الأفلام من غادي لغادي




سي حمدان... كان نهار يجينا يقوللنا انا علماني، م الجمعة اللي بعدها يظهرلو يقوللك لا، راني ملحد، و منها لاديني... الحاصل، يكون اللي يكون، يجي يقعد يهر علينا هاك الساعتين، كيفاش ربي ماهوش موجود، و اللي الجماعة يتبولدوا (بش ما نقولش كلمة اخرى، ساعات تتزرف منو وسط القسم) علينا و حاسبيننا كيف الغشاشر الصغار يخوفوا فينا بيه... و اللي الرسول محمد (ص) سحار طلع بخرافة و العباد جدت عليهم و تبعوه، و اللي هو كان قافز برشا و بزناس و كان عامل و عامل... و اللي احنا بهايم و مانا فاهمين شي م الدنيا (و هو بالطبيعة سيد مين يفهملها خاصة كيف يجينا مثمول يترنّح يمين و يسار).

قرّانا قريب الشّهرين (حتى للعطلة متاع سبعة نوفمبر)... اللي نتذكروا م الحصص متاعهم هو أننا مرتين اكهو جبدنا فيهم الكتاب و قعدنا نقراو في نصوص كيف ما يعملوا خلق ربي الكل... و نتذكّر انو ساعات كيف طفلة تطلب انها تخرج يغمزنا بطرف عينو انا و ناصر صاحبي (بما اننا كنا نقعدوا دايما مع بعضنا في آخر القسم) و ما فيها باس كيف يقوم يعمل دورة و يغافل الجماعة و يقول لواحد فينا

سي حمدان: (يوشوش، مع إشارة بصوابعو) ارشم ارشم

و نتذكر مرة كثّرولها البنات بالدخول و الخروج متاعهم... لين عمل روحو فد م الحكاية

سي حمدان: تي شنوة حكايتكم نهار اليوم، داخلين خارجين... ش قام عليكم

و قعدوا العباد الكل ساكتين (لأننا وقتها مازلنا ما وصلناش للحكايات هذي في الدروس متاع العلوم الطبيعية)، و العباد الكل مبكسة الحس ما تسمع كان بعض الضحكات المكتومة من بعض البنات اللي كانوا يتهامسوا بين بعضهم

سي حمدان: (يسكت شوية) هيا ما عاد حتى طفلة خارجة كان ما تاخو الأوكي من عند البرباش

و تلفتتلي العباد الكل فرد ضربة، و طبعا ما كان فيهم حتى حد على علم بحكاية الورقة (كان ناصر اللي كان بجنبي وقتها)... و انا وين تلقاني وقتها، وجهي احمر نيلة اكثر من كعبة الطماطم (حسيتهم كيف اللي في بالهم بالحكاية، بينما هوما تلفتوا فقط لمجرد ذكر الاسم، و فيهم حتى شكون كان حاسدني على شرف الاستشارة اللي منحهولي سي حمدان) و قعدت مانيش عارف نضحك و إلا نسكت و إلا نجاوب... ما لقيت ما نقول... فضّلت الصمت و نخلّي الأمور تمشي بطبيعتها.

سي حمدان: (بعد ما استنى ردة فعل مني على غير فايدة) قاعد شادد الحساب ماهو؟

سي حمدان: (يضحك) و إلا الحساب عند ناصر؟

ناصر: (بجدبتو المعتادة) لا لا، ش من حساب... الحساب نهار العقاب

سي حمدان: (يدوّح في راسو) أوه على وذني... ناري عليكم و برّه

و مشات الحكاية على روحها، حتى انو البعض من اصحابنا في القسم من بعد تساءلوا ع السر وراء الحكاية (فهموا انو ثمة حاجة و الهدرة موش ببلاش) إلا أننا فضلنا السكات خوفا لا يفضحونا و يوصل الخبر لسي حمدان و ما نعرفوش على ردة الفعل متاعو ش كانت تكون وقتها...

و اللي نتذكرو م الفترة اللي قريناها العام هذاكة من عند سي حمدان، هو كيف يخوض على جرد كلمة يرميهالو واحد فينا ببلادة و ركاكة فقط لأننا نعرفوه بش يخوض علاها و يحللنا مستوج و يعمللها حلل و ناقش و يقعد يجيب و يجلّب وحدو، لين يوفاو الساعتين متاعو، يكفر ع اللي قالهملو هاك الكليمتين و يهبّطلنا الرب حشيش و يخرج على روحو...

و رجعنا بعد العطلة متاع سبعة نوفمبر... نلقاوهم بدلولنا سي حمدان بأستاذة جديدة متاع فلسفة... تحب تخدم عل روحها، هراتلنا يدينا بالكتيبة... و الحق متاع ربي خلاتنا نتحسروا على سي حمدان، و هداريه...

بعد قريب العشرة سنين، ما نتذكرش انو جمعني فيهم اي لقاء بسي حمدان و لو حتى من بعيد لبعيد... اتبدّلت الأحوال و اللي كانوا فروخ ولاو رجال... راكب في اللواج بش نهبط لتونس، نلقى مع جنبي سي حمدان.

ايـــه، يا حسرة... يقوللك الزمان ما فيهوش امان، سي حمدان هدّو الزمان، ما قعدت فيه كان الجهامة، رغم اللي يعتبر مازال صغير...

قعدت نغزرلو و نثبّت فيه، شعر شايب مكشرد، سنّيه ما تبقّى فيهم كان القليل... لحية منتشة شعرتين و شعرة، يمكن لو كان جات عشرة سنين لتالي تكون كاملة و عاطية وهرة، لكن أهوكة عندكشي عندي...

و اللي خلاني باهت و مستغرب... السبحة اللي في يدّو، و الدعاء و التسبيح اللي ثنية كاملة ما بطلوش، لين صدّعلي راسي و هو كتافو تتهز و تتنفض و راسو يتشلوح يمين و يسار و كل وين يكمّل يعمل دورة كاملة بالسبحة، درى ش يتمتم و يقول و من بعد يمسح وجهو بيدّو، و يتڤرّع...




ما لقيت معاه حل غير انّي نجبدو بالحديث، ع الاقل ناخو و نعطي معاه في الكلام و نقصّروا الثنية... و هزنا الحديث، و كيف ما يقولوا حديث يجبد حديث.

قاللي سي حمدان من جملة ما قال انو خرج م الخدمة تقاعد مبكّر لأسباب صحية... و انو قاعد يعدّي في أياماتو، م الدار للجامع و القهوة للدار... و قعدنا نهرّوا و كل مرة نهم بش نسألوا على هاك الخرارف اللي كان مصدعلنا بيهم روسنا، نلقاها ثقيلة، لين ما عادش فيها، و دخلنا لتونس سايي و قريب نوصلوا للمحطة

البرباش: (بعد تردد) بالله سي حمدان... هاك الحكايات متاع العلمانية و الملحدين اللي كنت مارجنا بيهم، وين مشي الشي هذاكة!

سي حمدان: (يبتسّم، يقرلي كأنو يحب يوشوشلي) تحب الرسمي ماهو وليدي

البرباش: ايـــه، بالطبيعة

سي حمدان: هذاكة الكلام اللي كنت نقوللكم فيه قبل، هو الصحيح و الرسمي

البرباش: (بنبرة كلها دهشة و استغراب) امالا الشي هذا و الحالة الحليلة اللي عاملها في روحك تو شنوة

سي حمدان: (يبتسم، و نبرة كلها استهزاء) هاك تشوف فيّ تو وليدي... رجل في البر، و رجل في القبر

البرباش: (ما عاد فاهم شي) أي

سي حمدان: (بنفس النبرة) و كيف يطلع ربكم هذا موجود بالحق، ش بش نعمل انا بالله نهار آخر كيف ناقف قدامو بعد ما نشد هاك الصف و يخلطلي الدّور

البرباش: (باقي ماني فاهم حتى شي) ايــه، و الله هذي جبت فيها

سي حمدان: عاد اهوكة ع الأقل العبد تلقاه عامل حويجة في دنيتو، يلقى باش ياخو و يعطي معاه في الحديث ثماشي ما يشوفلي بيه

البرباش: (ندهش بالضحك) ربي يتقبّل منّك إن شاء سي حمدان...

سي حمدان: يعيشك ولدي، يسمع منّك إن شاء الله

البرباش: (بنبرة كلها شرود) آميــن

سكتنا، ما زدناش تكلّمنا بعد الحديث هذاكة... قعدت واجم، مصهمم، نخمم في الكلام اللي كان يقولللي فيه سي حمدان إذا كانت هذيكة حد نيتو و إلا يتمنيك عليّ و إلا شنوة هدرتو بالضبط... نتلفتلو، نلقاه ليه ليه ما عاود رجع لهاك السبحة متاعو و بدى يتهز و يتنفض بكلّو كيف عادتو... قبل ما يخلط للتڤريعة الاولى، نعاود نسألو

البرباش: سي حمدان... علاش ما تعملش حجّة فرد مرة... انتي صرفت صرفت

سي حمدان: واش خصني يا وليدي... الطبة و السبيطارات ما خلاولي شي

البرباش: ربي يشفيك...

البرباش: (نسكت شوية، منها نبتسم) ساعة و الله انتي ما تنفعك كان حجة، فسّخ و عاود م الاول جديد

سي حمدان: (فايق بيّ اللي انا نتبولد عليه... يتبسّم هو زادة و يڤحرلي على فرد جنب) عاد انا لو كان نعملها الحجة، ماهو نتوب توبة نصوحة كيف ما يعملوا في الأفلام و فك عليّ

البرباش: ربي يكتبهالك سي حمدان... ش بش نقوللك، اللي عن ربي موش بعيد

سي حمدان: يسمع منك ربي وليدي... يسمع منك ربي

و ليه ليه ما خلطنا للمحطة، و اتفارقنا انا و سي حمدان، بعد ما تمنيتلو الشفاء (هو مشى في بالو م المرض لكني كنت نتمنالو فيه م الحالة اللي هو فيها)... و تو ليّ قريب العام ما عاودتش ريتو


قريتها:
مشاركة هذه التدوينة:
E-Mail Facebook Twitter Blog Buzz